أكبر القطاعات الاقتصادية في الأردن

أكبر القطاعات الاقتصادية في الأردن

يشكل الاقتصاد الأردني نموذجًا فريدًا بين الاقتصادات العربية، نظرًا لمحدودية الموارد الطبيعية من جهة، ومرونته في التكيّف مع التحديات الإقليمية والدولية من جهة أخرى. ويعتمد الأردن بدرجة كبيرة على قطاعات متنوعة تلعب أدوارًا محورية في دعم الناتج المحلي الإجمالي، وخلق فرص العمل، وتوفير العملات الأجنبية. رغم التحديات الجيوسياسية والموارد المحدودة، إلا أن الدولة تمكنت من بناء قاعدة اقتصادية متماسكة عبر تعزيز عدد من القطاعات الحيوية والاستراتيجية.

فيما يلي استعراض موسّع لأهم وأكبر القطاعات الاقتصادية في الأردن من حيث الأهمية، المساهمة في الناتج المحلي، القدرة على خلق الوظائف، والاستثمار المحلي والأجنبي.

1. قطاع الخدمات

يُعد قطاع الخدمات العمود الفقري للاقتصاد الأردني، حيث يمثل أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي. يتميز هذا القطاع بتنوعه واتساع نطاقه ليشمل الخدمات المالية، والتعليم، والصحة، والسياحة، والاتصالات، والخدمات الحكومية.

القطاع المالي والمصرفي

يتميز النظام المالي الأردني بالاستقرار والرقابة الفعالة من البنك المركزي الأردني. يضم أكثر من 25 بنكًا محليًا وأجنبيًا، ويُعد من أكثر القطاعات جذبًا للاستثمار. كما يلعب دورًا أساسيًا في تمويل الأنشطة الاقتصادية وتوفير أدوات تمويل حديثة كالتمويل الإسلامي والتكنولوجيا المالية (Fintech).

قطاع التعليم

يعتبر الأردن من الدول الرائدة عربيًا في قطاع التعليم، سواء على مستوى التعليم العام أو الجامعي. يمتلك بنية تحتية قوية تضم عشرات الجامعات والكليات ومراكز التدريب المهني، ويشكل التعليم أحد أبرز صادرات الخدمات عبر استقطاب الطلاب العرب والأجانب.

قطاع الصحة

الصحة في الأردن تحظى بسمعة إقليمية متميزة، ويتميز القطاع بوجود مستشفيات ذات كفاءة عالية وكوادر طبية متخصصة. ويعد الأردن من الوجهات البارزة للسياحة العلاجية في الشرق الأوسط، مما يجعل الصحة قطاعًا خدميًا واقتصاديًا حيويًا.

السياحة

السياحة تشكل مصدرًا مهمًا للدخل الوطني. يضم الأردن العديد من المواقع الأثرية مثل البتراء، جرش، ووادي رم، إلى جانب المقومات الدينية والعلاجية، مثل البحر الميت. وقدرت مساهمة السياحة في الاقتصاد الأردني بحوالي 13% من الناتج المحلي الإجمالي قبل جائحة كورونا.

2. قطاع الصناعة

يُعد القطاع الصناعي من القطاعات الاقتصادية الكبرى في الأردن، إذ يسهم بنسبة تزيد على 20% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعد ثاني أكبر قطاع في البلاد من حيث التشغيل والتصدير. وتتنوع الصناعات الأردنية لتشمل الصناعات الاستخراجية، التحويلية، والدوائية، وغيرها.

الصناعات الدوائية

يمتاز الأردن بقطاع دوائي متقدم على مستوى المنطقة، حيث تُصدر المنتجات الدوائية الأردنية إلى أكثر من 60 دولة حول العالم. تضم البلاد عددًا من شركات الأدوية الكبرى التي تلتزم بأعلى معايير الجودة العالمية، وتساهم في النمو الصناعي والتصديري.

الصناعات الكيماوية

يعتبر هذا القطاع من أبرز قطاعات التصدير، خصوصًا في إنتاج الفوسفات، البوتاس، والأسمدة. الأردن من الدول الرائدة في استخراج الفوسفات، وتُعد شركة مناجم الفوسفات الأردنية من أكبر الشركات المصدرة للخام.

الصناعات الغذائية والتحويلية

تشمل مصانع إنتاج الأغذية والمشروبات ومنتجات الألبان، وتمثل أحد أعمدة الأمن الغذائي الوطني، كما أنها تشهد تطورًا مستمرًا في تقنيات التصنيع والتعبئة والتغليف، ما يجعلها قادرة على المنافسة في الأسواق الإقليمية.

3. قطاع الإنشاءات والعقارات

يلعب قطاع الإنشاءات دورًا رئيسيًا في الاقتصاد الأردني، ويعتبر محفزًا للنمو في قطاعات أخرى مثل الصناعة والإسكان والخدمات. يسهم هذا القطاع بحوالي 5% من الناتج المحلي، ويُعد من القطاعات ذات الأثر الكبير على التوظيف.

تتمثل أهمية القطاع في:

• تحفيز الطلب على مواد البناء المحلية مثل الإسمنت والحديد.

• توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.

• كونه حقلًا استثماريًا مفضلًا للمستثمرين المحليين والعرب.

أما القطاع العقاري، فيرتبط مباشرة بالإنشاءات، ويتميز بتنوع الاستثمارات فيه من شقق سكنية، مجمعات تجارية، مشاريع سياحية، وفنادق.

4. قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

حقق قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأردن نموًا ملحوظًا خلال العقود الأخيرة، ويعتبر من القطاعات الواعدة التي تستفيد من الكفاءات المحلية العالية. يمثل هذا القطاع اليوم ما يزيد عن 12% من الناتج المحلي الإجمالي، ويُصنف الأردن ضمن الدول الرائدة إقليميًا في تصدير البرمجيات والخدمات الرقمية.

تشمل مكونات هذا القطاع:

• شركات البرمجة وتطوير التطبيقات.

• خدمات مراكز الاتصال.

• الأمن السيبراني.

• الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.

وقد استقطب القطاع اهتمامًا حكوميًا ودوليًا، حيث تم إطلاق عدة مناطق حرة وحاضنات أعمال تكنولوجية مثل “منطقة الملك الحسين بن طلال التنموية” لدعم هذا النمو.

5. قطاع الزراعة

رغم مساهمته المحدودة نسبيًا في الناتج المحلي (أقل من 5%)، إلا أن قطاع الزراعة يكتسب أهمية استراتيجية كبرى في الأمن الغذائي وتوفير فرص العمل في المناطق الريفية. وتتنوع المنتجات الزراعية الأردنية بين الخضروات، الفواكه، الحبوب، والزراعات المحمية.

يسهم القطاع في:

• تلبية جزء من الاحتياجات الغذائية للسكان.

• توفير سلع تصديرية خاصة إلى الخليج العربي.

• تحقيق تنمية متوازنة في المناطق النائية.

وتُبذل جهود متزايدة لاستخدام التكنولوجيا الزراعية الحديثة لتعزيز الإنتاجية وتقليل الاعتماد على المياه، مثل أنظمة الري بالتنقيط والزراعة بدون تربة.

6. قطاع التعدين

يحتل التعدين موقعًا مهمًا في الاقتصاد الأردني بفضل وفرة بعض المعادن مثل الفوسفات، البوتاس، والسيليكا. يُعتبر الأردن من أكبر منتجي الفوسفات في العالم، وتلعب شركات مثل “شركة مناجم الفوسفات الأردنية” و”شركة البوتاس العربية” دورًا جوهريًا في دعم الاقتصاد من خلال التصدير وتوفير العملة الصعبة.

يتوزع التعدين الأردني بين:

• الفوسفات في مناطق الشيدية، الحسا، والرويشد.

• البوتاس المستخرج من البحر الميت.

• الرمل الزجاجي والسيليكا.

ويمثل هذا القطاع ركيزة أساسية في استراتيجية الحكومة لتنويع مصادر الدخل.

7. قطاع النقل واللوجستيات

يعد قطاع النقل في الأردن شريانًا حيويًا يربط المملكة بالدول المجاورة، وخاصةً العراق، فلسطين، والسعودية. وتشمل بنية النقل الأردنية الطرق البرية، السكك الحديدية قيد التطوير، الموانئ (خاصة ميناء العقبة)، والمطارات الدولية مثل مطار الملكة علياء.

القطاع اللوجستي في نمو مستمر مع ازدياد التجارة الإلكترونية، وتوسع مناطق التخزين والموانئ الجافة، واهتمام الأردن بأن يصبح مركزًا إقليميًا للنقل والخدمات اللوجستية في المشرق العربي.

8. الاستثمار والتحويلات

رغم أنهما ليسا قطاعين تقليديين، إلا أن الاستثمار الأجنبي المباشر وتحويلات العاملين الأردنيين في الخارج يشكلان مصدرين أساسيين للدخل الوطني، خاصة العملة الصعبة.

تحويلات الأردنيين، وخصوصًا من دول الخليج، تسهم بما يقارب 10% من الناتج المحلي، فيما تعمل هيئة الاستثمار على جذب رؤوس أموال إلى قطاعات الصناعة، الطاقة المتجددة، العقارات، والسياحة.

جدول يوضح مساهمة أبرز القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي (تقديرات)

خاتمة تحليلية

إن تنوع القطاعات الاقتصادية في الأردن يعكس قدرة الاقتصاد على التأقلم مع التحديات وتوظيف موارده البشرية والموقع الجغرافي الاستراتيجي لتحقيق النمو. ورغم التحديات المتعلقة بالموارد الطبيعية والمياه، إلا أن الأردن استطاع تحويل العوائق إلى فرص من خلال تعزيز القطاعات الخدمية، التكنولوجية، والتعليمية.

التركيز الحكومي المستمر على تنمية القطاعات الواعدة وتحفيز بيئة الاستثمار يُعد عنصرًا أساسيًا في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام، وخلق وظائف جديدة، وتحقيق استقرار مالي واقتصادي في ظل بيئة إقليمية متغيرة.

المراجع:

• دائرة الإحصاءات العامة الأردنية.

• البنك المركزي الأردني، تقارير الاقتصاد الكلي السنوية.